قديما نام اهل الكهف لأنهم عجزوا ان يغيروا واقعهم، أثابهم الله على ايمانهم بأن أرقدهم إرقادا طويل المدة، ثم خرجوا فوجدوا العالم وقد اعتقد ما كانوا يعتقدون فلم يكن منهم الا ان ناموا من جديد بعد انتهاء دورهم في مسرحية الحياة القصيرة.
تساءلت لماذا لاينام الأشرار هذه المرة ويبقى الأخيار، لماذا لا ينام ساستنا الذين لم نعرف فيهم الا قتل ارادتنا للحياة..
ثم افترضت حتى اكون منصفا ان ينام كل من يمارسون السياسة من المدنيين والعسكر بالخيرين منهم والأشرار فقد اختلط علينا غثهم بسمينهم.
اردت ان تكون البداية بالمتحاورين هذه الأيام.
فجأة وبدون سابق انذار دخل قصر المؤتمرات في ظلام دامس مع ان الكهرباء لم تبرحه، واستلقى المشاركون على الأرائك و المقاعد والبلاط، وذهبوا في اغفاءة ستتنتهي بنوم سيمتد لقرنين ثم في ذات الوقت من النهار نفسه دخل قادة الأحزاب المقاطعة للحوار في نفس الحالة، لكن هناك في احزابهم، حيث لم يعد يسمع في دور السياسة بالبلد الا شخير غير متجانس من حيث النوتات والأداء..
ثم ذات يوم لفحت الشمس وجوه بعض النائمين فاستيقظوا، فوقف ولد عبد العزيز متثاقلا ليسقط هلعا متى التقت عيناه بذقن ولد حدمين الطويلة المبعثرة وكسوة ولد امين الرثة واظافره الطويلة.. شعرمسعود المنكس أضحك الرجل قليلا، ثم فجأة أذن ولد سيدي ان حان وقت صلاة لم يحدد لها وقتا ولم يعرف لها سببا فصاح بيجل : “يخلي اهلك” نحن تحولنا الى مسوخ شائهة وانت تؤذن كأنك في مقر تواصل..
اختلط في القاعة عسكر ومدنيون ومخنثون وراقصات وعلماء لم يعودوا مميزين فقد التحى المخنثون والشيوعيون والصحافيون.. ماهذا؟ صرخ ولد عبد العزيز، فردت احدى النسوة وقد اختفى الطلاء القرمزي والقناع الأبيض والماسكرة وحلت التجاعيد والحفر والتهدج في ذبذبات الصوت : سيدي الرئيس لقد مسخنا واصبحنا قردة خاسئين..
“قردة خاسئين”! تتكلمين كلام تواصل في حين انه ليس معنا منهم الا صاحب الأدوية، من انت فأنا لا اعرفك اصلا.
كان بدرالدين يستيقظ للتو في مكتبه المغبر، تململ في مرقده فسمع جلبة خلف الباب، فتح فإذا اطفال صغار من ذوي البشرة السمراء يلعبون في حديقة جميلة، لم يتمكن من التعرف عليهم ولم يحاول حتى، إنه يبحث عن الرفاق.. لم يعرف الشوارع ولم يتعرف على الشخوص لكنه موقن ان احمد داداه ومولود وجميل مازالوا حيث تركهم بالأمس، كان يخشى قليلا من ان تؤثر ادوية ولد سيدي على الاخوة في تواصل… لكن لا.. لا .. فمازال الاسلاميون حيث تركتهم.. كان يسير هائما في شوارع مهيبة وبين عمارات شاهقة: لابد انني مرضت وحملني “الأولاد” الى هذا البلد.. آه ربما يكون العزيز تكفل بعلاجي فالدولة عادة تنصفنا في العلاج وتشح بأسباب الوقاية والعلاج معا حين يتعلق الأمر بالمواطنين.
احمد ولد داده استيقظ ضحى فحمل سجادته وبدأ يبحث عن مرافقيه…لا أحد في الجوار!
في كهف المؤتمرات اخرج عزيز ورقة نقدية من جيب بيجل وطلب من كبير الضباط الخروج لشراء طعام للحضور فلابد انهم احسوا بالجوع بعد “يوم” من النوم تحت مكيف يعمل بقوة ايمان “المرخي” بضرورة توفير الهواء اللطيف لـ ” ارباب” على لغة البنغال.. بعد ان اوصاه عزيز بأن يكون الطعام ماسخا مسيخا حتى يكون ثمنه افضل خرج ولد اكلاي هائما في الشوارع المحيطة بقصر المؤتمرات، لا مكان لسافانا كافييه ولا اثر لمقهى المثقفين، فنادق وطرق سريعة واناس يسيرون في عجلة من امرهم.. كان الناس يتقهقرون ثم يفرون متى تأكدوا من ملامح هذا العجوز النحيف وبدلته العجيبة.
اخيرا اقتادوه الى قسم الشرطة وهو يصرخ انا المرافق العسكري للرئيس.. دخل القسم فوجد شابا اسمر اللون أنيقا محترم السمت، سأله بأدب عن هويته وتاريخ ميلاده.
حين اجاب لم يخف الشاب اندهاشه، وخرج ليعود بعد هنيهة ومعه اشخاص يحملون انية كبيرة عليها خروف مشوي:
– آسف على تواضع الطعام لكن هذا ماتبقى من طعام نزلاء المخفر
-هل تقدمون مثل هذا الطعام لمن هم في الحجز!
-نعم مع المقبلات والتحلية والشراب والتدليك.
كان الشاب يتحدث بلغة لايمكن ان يفهمها الا من يتقن الحسانية والسونينيكية والولفية والبولارية معا.. إنه يتحدث لغة شعب موريتانيا وهي لغة مزيج من لهجات سكان كانوا منفصلين واتحدوا بالزيجات فغابت بينهم الأعراق وانتفى الاحساس بالانتماء لقومية دون الأخرى.. إنها جهود قرنين من الكفاح والعمل الصادق.
وقف الضابط محييا شابا دخل للتو:
-سيدي رئيس الجمهورية، اتصلت على جوالكم قبل قليل لأخبرك بأن احد افراد فترة عزيز قد ظهر.
بحركة سريعة اخرج الشاب منديلا من جيبه وغطى به أنفه وأجال أنامله قليلا في كوكل الهاتف، وابتسم هازئا:
ـ سيدي الضابط السابق لقد عرفتك، لكن اين البقية
– إنهم في القصر
-سيدي، لقد انتخبت رئيسا لموريتانيا منذ سنوات قليلة، وقد سبقني الكثيرون لهذا المنصب ويبدو انني اوفرهم حظا اذ انني سأكون الرئيس الذي ظهرفي عهده النائمون..
كنا نعرف اماكنكم لكن أي موريتاني لم يشأ ايقاظكم لأن اختفاءكم كان نعمة..
موريتانيا كما تراها الآن ليس فيها ابيض ولا اسود، جميعنا سمر، لسنا سودا ولا بيضا، لأننا اختلطنا وذابت اعراقنا.. بلدنا رائع، بنته سواعد ابنائه.. حين تخرج معي للشارع ستدرك أن الرئيس خادم للشعب وانه لا يحتاج لمرافق ولا إلى حراس.
عاد ولد كلاي ومعه الرئيس والطعام، أُدخلت الموائد الى قاعة المؤتمرات بالقصر القديم، فتسابقوا الى الصحون، و بدأت حرب حقيقية، كل واحد يريد ان يمد يده قبل الآخر.. كل هذا والرئيس الشاب ينظر اليهم والمنديل في مكانه كأن رائحة كريهة ازكمت انفه.. ثم خاطبهم بصوت واثق قوي مقنع:
– ايها الجائعون “بطرا”، ايها المتهافتون على المائدة كالذباب، سنجلب لكم طعاما يكفي لقرون ثم سنغلق عليكم هذه النفاية التي كُنتُم تسمونها قصر المؤتمرات.. معكم ائمة اذا أردتم الصلاة، ومعكم علماء دين ان احتجتم فتوى بشأن الحيض او الزواج السري، معكم مهندسون إن اردتم البناء في هذه البقعة الضيقة، معكم رجال اعمال يمكنهم شراء البقعة مقابل شق الطرق فيها، معكم شعراء يمجدون افعالكم، معكم ضباط وجنود يمكن ان يستخدمهم أي منكم لترهيب صاحبه.. إنكم في آخر بقعة يسود فيها الانسان بالبارود والسيف.
ناموا بقية حياتكم فموريتانيا تصالحت مع ابنائها البررة، انقذوها من تبعات افعالكم الرخيصة.. هي الآن احدى أعرق الأمم.. آه نسيت فلديكم صحافة يمكن ان تنشر اخباركم، لكن لكم فقط، فلا أحد في بلادنا يشرفه ان يسمع منها او يرى او يقرأ لها.
نوما هنيئا.
نسيت ايضا سنجلب لكم زعماء المعارضة فقد اخبرت للتو انهم استيقظوا قبل قليل ،فهؤلاء وان كانوا يختلفون عنكم الا انهم كانوا عونا دائما لكم في جريمة قتل موريتانيا.